فصل: الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيء من بعدهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن ملوك الحيرة من آل المنذر من هذه الطبقة وكيف انساق الملك إليهم ممن قبلهم وكيف صار إلى طيء من بعدهم:

أما أخبار العرب بالعراق في الجبل الأول وهم العرب العاربة فلم يصل إلينا تفاصيلها وشرح حالها إلا أن قوم عاد والعمالقة ملكوا العراق والمسند في بعض الأقوال أن الضحاك بن سنان منهم كما مر وأما في الجبل الثاني وهم العرب المستعربة فلم يكن لهم به مستبد وإنما كان ملكهم به بدويا ورياستهم في أهل الظواعن وكان ملك العرب كما مر في التبابعة من أهل اليمن وكانت بينهم وبين فارس حروب وربما غلبوهم على العراق وملكوه أو بعضه كما مر لكن اليمن لم يغلبوا ثانيا على ملكوا منه وقد مر إيقاع بختنصر وإثخنانه فيهم ما تقدم وكان في سواد العراق وأطراف الشام والجزيرة الأمارنيون من بني إرم بن سام ومن كان من بقية عساكر ابن تبع من جعفر طيء وكلب وتميم وغيرهم من جرهم ومن نزل معهم بعد ذلك من تنوخ ونمارة بن لخم وقنص بن معد ومن إليهم كما قدمناه ذكر ذلك وكان ما ما بين الحيرة والفرات إلى ناحية الأنبار مواطن لهم وكانوا يسمون عرب الضاحية وكان أول من ملك منهم في زمن الطوائف مالك بن فهم بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن ثعلبة بن حلوان بن قضاعة وكان منزله مما يلي الأنبار وملك من بعده أخوه عمرو بن فهم ثم ملك من بعدهما جديمة الأبرش إثنتي عشرة سنة وقد تقدم أنه صهرهما وأن مالك بن زهير بن عمرو بن فهم زوجه أخته وصاروا حلفاء مع الأزد من قوم جذيمة ونسب جذيمة في الأزد إلى بني زهران ثم إلى دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران وهو جذيمة بن ملك بن فهم بن غنم بن دوس هكذا قال ابن الكلبي ويقال: إنه من وبار بن أميم بن لاوذ بن سام وكان بنو زهران من الأزد خرجوا قبل خروج مزيقيا من اليمن ونزلوا بالعراق وقيل ساروا من اليمن مع أولاد جفنة بن مزيقيا فلما تفرق الأزد على الموطن نزل بنو زهران هؤلاء بالشراة وعمان وصار لهم مع الطوائف ملك وكان مالك بن فهم هذا من ملوكهم وكان بشاطئ الفرات من الجانب الشرقي عمرو بن الظرب بن حسان بن أدينة من ولد السميدع بن هوثر من بقايا العمالقة فكان عمرو بن الظرب على مشارف الشام والجزيرة وكان منزله بالمضيق بين الخابور وقرقيسا فكانت بينه وبين مالك بن فهم حروب هلك عمرو في بعضها وقامت بملكه من بعده ابنته الزباء بنت عمرو واسمها نائلة عند الطبري وميسون عند ابن دريد.
قال السهيلي: ويقال إن الزباء الملكة كانت من ذرية السميدع بن هوثر من بني قطورا أهل مكة وهو السميدع بن مرثد بالثاء المثلثة ابن لاي بن قطور بن كركي بن عملاق وهي بنت عمرو بن أدينة بن الظرب بن حسان وبين حسان هذا والسميدع آباء كثيرة ليست بصحيحة لبعد زمن الزباء من زمن السميدع انتهى كلام السهيلي.
ولم تزل الحرب بين مالك بن فهم وبين الزباء بنت عمرو إلى أن ألجاها إلى أطراف مملكتها وكان يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم قال أبو عبيدة: وهو أول ملك كان بالعراق من العرب وأول من نصب المجانيق وأوقد الشموع وملك ستين سنة ولما هلك قام بأمره من بعده جذيمة الوضاح ويقال له الأبرش وكان يكنى بأبي مالك وهو منادم الفرقدين قال أبو عبيدة: كان جذيمة بعد عيسى بثلاثين سنة فملك أزمان الطوائف خمسا وسبعين سنة وأيام أردشير كلها خمسة عشر سنة وثماني سنين من أيام سابور وكان بينه وبين الزباء سلم وحرب ولم تزل تحاول الثأر منه بأبيها حتى تحيلت عليه وأطمعته في نفسها فخطبها وأجابته وأجمع المسير إليها وأبى عليه وزيره قيصر بن سعد فعصاه ودخل إليها ولقيه بالجنود وأحس بالشر فنجا قصير ودخل جذيمة إلى قصرها فقطعت رواهشه وأجرت دمه إلى أن هلك في حكاية منقولة في كتب الأخباريين.
قال الطبري: وكان جذيمة من أفضل ملوك العرب رأيا وأبعدهم مغارا وأشدهم حزما وأول من استجمع له الملك بأرض العراق وسرى بالجيوش وكان به برص فكنوا عنه بالوضاح إجلالا له وكانت منازله بين الحيرة والأنبار وهيت ونواحيها وعين التمر وأطراف البر العمق والقطقطانية وجفنة وكانت تجبى إليه الأموال وتفد إليه الوفود وغزا في بعض الأيام طسما وجديسا في منازلهم باليمامة ووجد حسان بن تبع قد أغار عليهم فانفكأ هو راجعا بمن معه وأتت خيول حسان على سرايا فأجاحوها وكان أكثر غزو جذيمة للعرب العاربة وكان قد تكهن وادعى النبوة وكانت منازل إياد بعين أباغ سميت باسم رجل من العمالقة نزل بها وكان جذيمة كثيرا ما يغزوهم حتى طلبوا مسالمته وكان بينهم غلام من لخم من بني أختهم وكانوا أخوالا له وهو عدي بن نصر بن ربيعة بن عمرو بن الحرث بن مسعود بن مالك بن عمرو بن نمارة بن لخم وكان له جمال وضرب وطلبه منهم جذيمة فامتنعوا من تسليمه إليه فألح عليهم بالغزو وبعثت إياد من سرق لهم صنمين كانا عند جذيمة يدعو بهما ويستسقى بهما وعرفوه أن الصنمين عندهم وأنهم يردونهما بشريطة رفع الغزو عنهم فأجابهم إلى ذلك بشريطة أن يبعثوا مع الصنمين عدي بن نصر فكان ذلك ولما جاءه عدي بن نصر استخلصه لنفسه وولاه شرابه وهويته رقاش أخته فراسلته فدافعها بالخشية من جذيمة فقالت له اخطبني منه إذا أخذت الخمر منه وأشهد عليه القوم ففعل وأعرس بها من ليلته وأصبح مضرجا بالخلوق وارب جذيمة شأنه ثم أعلم بما كان منه فعض على يديه أسفا وهرب عدي فلم يظهر له أثر ثم سألها في أبيات شعر معروفه فأخبرته بما كان منه فعرف عذرها وكف وأقام عدي في أخواله إياد إلى أن هلك وولدت رقاش منه وسمته عمرا وربي عند خاله جذيمة وكان يستظرفه ثم استهوته الجن فغاب وضرب له جذيمة في الآفاق إلى أن رده عليه وافدان من العتقا ثم من قضاعة وهما مالك وعقيل ابنا فارج بن مالك بن العنس أهديا له طرفا ومتاعا ولقيا عمرا بطريقهما وقد ساءت حاله وسألاه فأخبرهما باسمه ونسبه فأصلحا من شأنه وجاءا به إلى جذيمة بالحيرة فسر به وسرت أمه وحكم الرجلين فطلبا منادمته فأسعفهما وكانا ينادمانه حتى ضرب المثل بهما وقيل ندماني جذيمة والقصة مبسوطة في كتاب الأخباريين بأكثر من هذا.
قال الطبري: وكان ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشام عمرو بن ظرب بن حسان بن أدينة بن السميدع بن هوثر العملاقي فكانت بينه وبين جذيمة حرب قتل فيها عمرو بن الظرب وفضت جموعه وملكت بعده ابنته الزباء واسمها نائلة وجنودها بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة وكانت تسكن على شاطئ الفرات وقد بنت هنالك قصرا وتربع عند بطن المجاز وتصيف بتدمر ولما استحكم لها الملك أجمعت أخذ الثأر من جذيمة بأبيها فبعثت إليه توهمه الخطبة وأنها إمرأة لا يليق بها الملك فيجمع ملكها إلى ملكه فطمع في ذلك ووافقه قومه وأبى عليه منهم قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن أربى بن نمارة بن لخم وكان حازما ناصحا وحذره عاقبة ذلك فعصاه واستشار ابن أخته عمرو بن عدي فوافقه فاستخلفه على قومه وجعل على خيوله عمرو بن عبد الجن وسار هو على غربي الفرات إلى أن نزل رحبة مالك بن طوق وأتته الرسل منها بالألطاف والهدايا ثم استقبلته الخيول فقال له قصير: إن أحاطت بك الخيول فهو الغدر فاركب فرسك العصا وكانت لا تجارى فأحاطت به الخيول ودخل جذيمة على الزباء فقطعت رواهشه فسال دمه حتى نزف ومات وقدم قصير على عمرو بن عدي وقد اختلف عليه قومه ومال جماعة منهم إلى عمرو بن عبد الجن فأصلح أمرهم حتى انقادوا جميعا لعمرو بن عدي وأشار عليه يطلب الثأر من الزباء بخاله جذيمة وكانت الكاهنة قد عرفتها بملكها وأعطتها علامات عمرو فحذرته وبعثت رجلا مصورا يصور لها عمرا في جميع حالاته فسار إليه متنكرا واختلط بحشمه وجاء إليها بصورته فاستثبتته وتيقنت أن مهلكها منه واتخذت نفقا في الأرض من مجلسها إلى حصن داخل مدينتها وعمد عمرو إلى قصير فجذع أنفه بمواطأة منه على ذلك فلحق بالزباء يشكو ما أصابه من عمرو وأنه اتهمه بمداخلة الزباء في أمر خاله جذيمة وما رأيت بعد ما فعل بي أنكى له من أن أكون معك فأكرمته وقربته حتى إذا رضي منها من الوثوق به أشار عليها بالتجارة في طرف العراق وأمتعته فأعطته مالاص وعيرا وذهب إلى العراق ولقي عمرو بن عدي بالحيرة فجهزه بالطرف والأمتعة كما يرضيها وأتاها بذلك فازدادت به وثوقا وجهزته بأكثر من الأولى ثم عاد الثالثة وحمل بغاة الجند من أصحابه عمرو في الغرائر على الجمال وعمرو فيهم وتقدم فبشرها بالعيرة وبكثرة ما حمل إليها من الطرف فخرجت تنظر فأنكرت ما رأته في الجمال من التكارد ثم دخلت العيرة المدينة فلما توسطت أنيخت وخرج الرجال وبادر عمرو إلى النفق فوقف عنده ووضع الرجال سيوفهم في أهل البلد وبادرت الزباء إلى النفق فوجدت عمرا قائما عنده فلحمها بالسيف وماتت وأصاب ما أصاب من المدينة وانكفأ راجعا.
قال الطبري: وعمرو بن عدي أول من اتخذ الحيرة منزلا من ملوك العرب وأول من تجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق وإليه ينسبون وهم ملوك آل نصر ولم يزل عمرو بن عدي ملكا حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة مستبدا منفردا يغزوهم ويغنم وتفد عليه الوفود ولا يدين لملوك الطوائف ولا يدينون له حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس.
قال الطبري: وإنما ذكرنا في هذا الموضع أمر جذيمة وابن أخته عمرو بن عدي لما قدمناه عند ذكر ملوك اليمن وأنهم لم يكن لهم ملك مستفحل وإنما كانوا طوائف على المخاليف يغير كل واحد على صاحبه إذا استغفله ويرجع خوف الطلب حتى كان عمرو بن عدي فاتصل له ولعقبه الملك على من كان بنواحي العراق وبادية الحجاز بالعرب فاستعمله ملوك فارس على ذلك إلى آخرهم أمرهم وكان أمر آل نصر هؤلاء ومن كان من ولاة الفرس وعمالهم على العرب معروفا مثبتا عندهم في كنائسهم وأشعارهم.
وقال هشام بن الكلبي: كنت أستخرج أخبار العرب وأنسابهم وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من ولي منهم لآل كسرى وتاريخ نسبهم من كتبهم بالحيرة وأما ابن إسحق فذكر في آل نصر ومصيرهم إلى العراق أن ذلك بسبب الرؤيا التي رآها ربيعة بن نصر وعبرها الكاهنان شق وسطيح وفيها أن الحبشة يغلبون على ملكهم باليمن قال: فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ فأسكنهم الحيرة ومن بقية ربيعة بن نصر كان النعمان بن المنذر بن عمرو بن عدي بن ربيعة بن نصر وقد يقال إن المنذر من أعقاب ساطرون ملك الحضر من تنوخ قضاعة رواه ابن إسحق من علماء الكوفة ورواه عن جبير بن مطعم قال: لما أتى عمر رضي الله عنه بسيف النعمان دعا بجبير بن مطعم وكان أنسب قريش لقريش والعرب تعلمه من أبي بكر رضي الله عنه فسلمه إياه ثم قال: ممن كان النعمان يا جبير؟ قال: كان من أسلاف قنص بن معد قال السهيلي: كان ولد قنص بن معد انتشروا بالحجاز فوقعت بينهم وبين بني أبيهم حرب وتضايق بالبلاد وأجدبت الأرض فساروا نحو سواد العراق وذلك في أيام ملوك الطوائف قاتلهم الأردوانيون وبعض ملوك الطوائف وأجلوهم عن السواد وقتلوهم إلا أشلاء لحقت بقبائل العرب ودخلوا فيهم فانتسبوا إليهم قال الطبري: حين سأله عمر عن النعمان قال: كانت العرب تقول من أشلاء قنص بن معد وهم من ولد عجم بن قنص إلا أن الناس صحفوا عجم وجعلوا مكانه لخم قال ابن إسحق: وأما سائر العرب فيقولون النعمان بن المنذر رجل من لخم ربي بين ولد ربيعة بن نصر اهـ.
ولما هلك عمرو بن عدي ولي بعده على العرب وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة امرؤ القيس بن عمرو بن عدي ويقال له البدء وهو أول من تنصر من ملوك آل نصر وعمال الفرس وعاش فيما ذكر هشام بن الكلبي مائة وأربعة عشر سنة منها أيام سابور ثلاثا وعشرين سنة وأيام هرمز بن سابور سنة واحدة وأيام بهرام بن هرمز ثلاث سنين وأيام بهرام بن بهرام ثماني عشرة سنة ومن أيام سابور سبعون سنة وهلك لعهده فولي مكانه ابنه عمرو بن امرئ القيس البدء فأقام في ملكه ثلاثين سنة بقية أيام سابور بن سابور ثم ولي مكانه أوس بن قلام العمليقي فيما قال هشام بن محمد وهو من بني عمرو بن عملاق فأقام في ولايته خمس سنين ثم سار به جحجبا بن عتيك بن لخم فقتله وولي مكانه ثم هلك في عهد بهرام بن سابور وولى من بعده امرؤ القيس بن عمرو خمسا وعشرين سنة وهلك أيام يزدجرد الأثيم فولي مكانه ابنه النعمان بن امرئ القيس وأمه شقيقة بنت ربيعة بن ذهب بن شيبان وهو صاحب الخورنق ويقال إن سبب بنائه إياه إن يزجرد الأثيم دفع إليه ابنه بهرام جور ليربيه وأمره ببناء هذا الخورنق مسكنا له وأسكنه إياه ويقال: إن الصانع الذي بناه كان اسمه سنمار وإنه فرغ من بنائه ألقاه من أعلاه فمات من أجل محاورة وقعت اختلف الناس في نقلها والله اعلم بصحتها وذهب ذلك مثلا بين العرب في قبح الجزاء ووقع في أشعارهم منه كثير وكان النعمان هذا من أفحل ملوك آل نصر وكانت له سنانان إحداهما للعرب والأخرى للفرس وكان يغزو بهما بلاد العرب بالشام ويدوخها وأقام في ملكه ثلاثين سنة زهد وترك الملك ولبس المسوح وذهب فلم يوجد له أثر.
قال الطبري: وأما العلماء بأخبار الفرس فيقولون إن الذي تولى تربية بهرام هو المنذر بن النعمان بن امرئ القيس دفعه إليه يزدجرد الأثيم لإشارة كانت عنده فيه من المنجمين فأحسن تربيته وتأديبه وجاءه بمن يلقنه الخلال من العلوم والآداب والفروسية والنقابة حتى اشتمل على ذلك كله بما رضيه ثم رده إلى أبيه فأقام عنده قليلا ولم يرض بحاله ووفد على أبيه وافد قيصر وهو أخوه قياودس فقصده بهرام أن يسأل له من أبيه الرجوع إلى بلاد العرب فرجع ونزل على المنذر ثم هلك يزدجرد فاجتمع أهل فارس وولوا عليهم شخصا من ولد أردشير وعدلوا عن بهرام لمرباه بين العرب وخلوه عن آداب العجم وجهز المنذر العساكر لبهرام لطلب ملكه وقدم ابنه النعمان فحاصر مدينة الملك ثم جاء على أثره بعساكر العرب وبهرام معه فأذعن له فارس وأطاعوه واستوهب المنذر ذنوبهم من بهرام فعفا عنهم واجتمع أمره ورجع المنذر إلى بلاده وشغل باللهو وطمع فيه الملوك حوله وغزاه خاقان ملك الترك في خمسين ألفا من العساكر وسار إليه بهرام فانتهى إلى أذربيجان ثم إلى أرمينية ثم ذهب يتصيد وخلف أخوه نرسي على العساكر فرماه أهل فارس بالجبن وأنه خار عن لقاء الترك فراسلوا خاقان في الصلح على ما يرضاه فرجع عنهم وانتهى الخبر بذلك إلى بهرام فسار في اتباعه وبيته فانفض بعسكره وقتله بيده واستولى بهرام على ما في العساكر من الأثقال والذراري وظفر بتاج خاقان وأكليله وسيفه بما كان فيه من الجواهر واليواقيت وأسر زوجته وغلب على ناحية من بلاده فولى عليها بعض مرازبته وأذن له في الجلوس على سرير الفضة وأغزى ما وراء النهر فدانوا بالجزية وانصرف إلى أذربيجان فجعل سيف خاقان وأكليله معلقا ببيت النار وأخدمه خاتون إمرأة خاقان ورفع الخراج عن الناس ثلاث سنين شكرا لله تعالى على النصر وتصدق بعشرين ألف ألف درهم مكررة مرتين وكتب بالخبر إلى النواحي وولى أخاه نرسي على خراسان واستوزر له بهر نرسي بن بدارة بن فرخزاد ووصل الطبري نسبه من هنا بعد فكان رابعهم أشك بن دارا وأغزى بهرام أرض الروم في أربعين ألفا فانتهى إلى القسطنطينية ورجع.
قال هشام بن الكلبي: ثم جاء الحرث بن عمرو بن حجر الكندي في جيش إلى بلاد معد والحيرة وقد ولاه تبع بن حسان بن تبع فسار إليه النعمان بن امرئ القيس بن الشقيقة وقاتله فقتل النعمان وعدة من أهل بيته وانهزم أصحابه وأفلت المنذر بن النعمان الأكبر وأمه ماء السماء امرأة من اليمن وتشتت ملك آل النعمان وملك الحرث بن عمرو ما كانوا يملكونه وقال غير هشام بن الكلبي: إن النعمان الذي قتله الحرث هو ابن المنذر بن النعمان وأمه هند بنت زيد مناة بن زيد الله بن عمرو بن ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذي أسرته فارس ملك عشرين سنة منها في أيام فيروز بن يزدجرد عشر سنين وأيام يلاوش بن يزدجرد أربع سنين وفي أيام قباذ بن فيروز ست سنين.
قال هشام بن محمد الكلبي: ولما ملك الحرث بن عمرو ملك آل النعمان بعث إليه قباذ يطلب لقاءه وكان مضعفا فجاءه الحرث وصالحه على أن لا يتجاوز بالعرب الفرات ثم استضعفه فأطلق العرب للغارة في نواحي السواد وراء الفرات فسأله اللقاء بابنه واعتذر إليه أشظاظ العرب وأنه لا يضبطهم إلا المال فأقطعه جانبا من السواد فبعث الحرث إلى ملك اليمن تبع يستنهضه بغزو فارس في بلادهم ويخبره بضعف ملكهم فجمع وسار حتى نزل الحيرة وبعث ابن أخيه شمرا ذا الجناح إلى قباذ فقاتله واتبع إلى الري فقتله ثم سار شمر إلى خراسان وبعث تبع ابنه حسان إلى الصغد وأمرهما معا أن يدوخا أرض الصين وبعث ابن أخيه يعفر إلى الروم فحاصر القسطنطينية حتى أعطوا الطاعة والأتاوة وتقدم إلى رومة فحاصرها ثم أصابهم الطاعون ووهنوا له فوثب عليهم فقتلوهم جميعا وتقدم شمر إلى سمرقند فحاصرها واستعمل الحيلة فيها فملكها ثم سار إلى الصين وهزم الترك ووجد أخاه حسان قد سبقه إلى الصين منذ ثلاث سنين فأقاما هنالك إحدى وعشرين سنة إلى أن هلك قال: والصحيح المتفق عليه أنهما رجعا إلى بلادهما بما غنماه من الأموال والذخائر وصنوف الجواهر والطيوب وسار تبع حتى قدم مكة ونزل شعب حجاز وكانت وفاته باليمن بعد أن ملك مائة وعشرين سنة ولم يخرج أحد بعده من ملوك اليمن غازيا ويقال: إنه دخل في دين اليهود للأحبار الذين خرجوا معه من يثرب وأما ابن إسحق فعنده أن الذي سار إلى المشرق من التبابعة تبع الأخير وهو تبان أسعد أبو كرب.
قال هشام بن محمد: وو لى أنوشروان بعد الحرث بن عمرو المنذر بن النعمان الذي أفلت يوم قتل أبوه ونزل الحيرة وأبوه النعمان الأكبر فلما قوي سلطان أنوشروان واشتد أمره بعث إلى المنذر فملكه الحيرة وما كان يليه الحرث بن عمرو آكل المرار فلم يزل كذلك حتى هلك قال: وملك العرب من قبل الفرس بعد الأسود بن المنذر أخوه المنذر بن المنذر وأمه ماوية بنت النعمان سبع سنين ثم ملك بعده النعمان بن الأسود ابن المنذر وأمه أم الملك أخت الحرث بن عمرو أربع سنين ثم استخلف أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسد بن أربى بن نمارة بن لخم ثلاث سنين ثم ملك المنذر بن امرئ القيس وهو ذو القرنين لضفيرتين كانتا له من شعره وأمه ماء السماء بنت عوف بن جثم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر بن الضبيب بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط فملك تسعا وأربعين سنة ثم ملك ابنه عمرو بن المنذر وأمه هند بنت الحرث بن عمرو بن حجر آكل المرار ست عشرة سنة ولثمان سنين من ملكه كان عام الفيل الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ولى عمرو بن هند شقيقه قابوس أربع سنين: سنة منها أيام أنوشروان وثلاثة أيام ابنه هرمز.
ثم ولى بعده أخوهما المنذر أربع سنين ثم بعده النعمان بن المنذر وهو أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة منها ثمان سنين أيام هرمز وأربع عشرة أيام أبروبز وفي أيام النعمان هذا اضحمل ملك آل نصر بالجزيرة وعليه انقرض وهو الذي قتله كسرى أبرويز وأبدل منه في الولاية على الحيرة والعرب باياس بن قبيصة الطائي ثم رد رياسة الحيرة لمرازبة فارس إلى أن جاء الإسلام وذهب ملك فارس وكان الذي دعا أبروبز إلى قتله سعاية زيد بن عدي العبادي فيه عند أبرويز بسبب أن النعمان قتل أباه عدي بن زيد وسياقه الخبر عن ذلك ان عدي بن زيد كان من تراجمة أبرويز وكان سبب قتل النعمان أن أباه وهو زيد بن حماد بن أيوب بن محروب بن عامر بن قبيصة بن امرئ القيس بن زيد مناة والد عدي هذا كان جميلا شاعرا خطيبا وقارئا كتاب العرب والفرس وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة ويقطعونهم القطائع على أن يترجموا عندهم عن العرب وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي فأرضعه أهل بيته ورباه قوم من أشراف الحيرة ينسبون إلى لخم ويقال لهم بنو مرسي وكان للمنذر بن المنذر عشرة سوى النعمان يقال لهم الأشاهب لجمالهم وكان النعمان من بينهم أحمر أبرش قصيرا أمه سلمى بنت وائل بن عطية من أهل فدك كانت أمة للحرث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن كلب وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان بعث إلى أنوشروان بعدي بن زيد وإخوته فكانوا في كتابه يترجمون له فلما مات المنذر أوصى على ولده إياس بن قبيصة الطائي وجعل أمره كله بيده فأقام على ذلك شهرا ونظر أنوشروان فيمن يملكه على العرب وشاور عدي بن زيد واستنصحه في بني المنذر فقال بقيتهم في بني المنذر بن المنذر فاستقدمهم كسرى وأنزلهم على عدي وكان هواه مع النعمان فجعل يرعى إخوته تفضيلهم عليه ويقول لهم: إن أشار عليكم كسرى بالملك وبمن يكفوه أمر العرب تكفلوا بشأن ابن أخيكم النعمان ويسر للنعمان إن سأله كسرى عن شأن إخوته أن يتكفله ويقول: إن عجزت عنهم فأنا عن سواهم أعجز وكان مع أخيه الأسود بن المنذر رجل من بني مرسي الذين ربوهم اسمه عدي بن أوس بن مرسي فنصحه في عدي وأعلمه أنه يغشه فلم يقبل ووقف كسرى على مقالاتهم فمال إلى النعمان وملكه وتوجه بقيمة ستين ألف دينار ورجع إلى الحيرة ملكا على العرب وعدي بن أوس في خدمته وقد أضمر السعاية بعدي بن زيد فكان يظهر الثناء عليه ويتواصى به مع أصحابه وأن يقولوا مثل قوله إلا أنه يستصغر النعمان ويزعم أنه ملكه وأنه عامله حتى آسفوه بذلك وبعث في الزيارة فأتاه وحبسه ثم ندم وخشي عاقبة إطلاقه فجعل يمنيه ثم خرج النعمان إلى البحرين وخالفه جفنة ملك غسان إلى الحيرة وغار عليها ونال منها وكان عدي بن زيد كتب إلى أخيه عند كسرى يشعره بطلب الشفاعة من كسرى إلى النعمان فجاء الشفيع إلى الحيرة وبها خليفة النعمان وجاء إلى عدي فقال له: أعطني الكتاب أبعثه أنا ولازمني أنت هنا لئلا أقتل وبعث أعداؤه من بني بقيلة إلى النعمان بأن رسول كسرى دخل عنده فبعث من قتله فلما وفد وافد كسرى في الشفاعة أظهر له الإجابة وأحسن له بأربعة آلاف دينار وجارية وأذن له أن يخرجه من محبسه فوجده قد مات منذ ليال فجاء إلى النعمان مثربا فقال: والله لقد تركته حيا فقال: وكيف تدخل إليه وأنت رسول إلي؟ فطرده فرجع إلى كسرى وأخبره بموته وطوى عنه ما كان من دخوله إليه.
ثم ندم النعمان على قتله ولقي يوما وهو يتصيد ابنه زيدا فاعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه إلى كسرى ليكون خليفة أبيه على ترجمة العرب فأعجب به كسرى وقربه وكان أثيرا عنده ثم إن كسرى أراد خطبة بنات العرب فأشار عليه عدي بالخطبة في بني منذر فقال له كسرى: اذهب إليهم في ذلك فقال: إنهم لا ينكحون العجم ويستريبون في ذلك فابعث معي من يفقه العربية فلعلي آتيك بغرضك فلما جاء إلى النعمان قال لزيد: أما في عير السواد وفارس ما يغنيكم عن بناتنا؟ وسأل الرسول عن العير فقال له زيد: هي البقر ثم رجعا إلى كسرى بالخيبة وأغراه زيد فغضب كسرى وحقد على النعمان ثم استقدمه بعد حين لبعض حاجاته وقال له: لا بد من المشافهة لأن الكتاب لا يسعها ففطن فذهب إلى طيء وغيرهم من قبائل العرب ليمنعوه فأبوا وفرقوا من معاداة كسرى إلا بني رواحة بن سعد من بني عبس فإنهم أجابوه لو كانوا يغنون عنه فعذرهم وانصرف عنهم إلى بني شيبان بذي قار والرياسة فيهم لهانئ بن مسعود بن عامر بن الخطيب بن عمرو المزدلف ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان ولقيس بن خالد بن ذي الخدين وعلم أن هانئا يمنعه وكان كسرى قد أقطعه فرجع إليه النعمان ماله ونعمه وحلقته وهي سلاح ألف فارس شاكة وسار إلى كسرى فلقيه زيد بن عدي بساباط وتبين الغدر فلما بلغ إلى كسرى قيده وأودعه السجن إلى أن هلك فيه بالطاعون ودعا ذلك إلى واقعة ذي قار بين العرب وفارس.
وذلك أن كسرى لما قتل النعمان استعمل إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة مكان النعمان ليده التي أسلفها طيء عند كسرى يوم واقعة بهرام على أبرويز وطلب من النعمان فرسه ينجو عليها فأبى واعترضه حسان بن حنظلة بن جنة الطائي وهو ابن عم إياس بن قبيصة فأركبه فرسه ونجا عليه ومر في طريقه بإياس فأهدى له فرسا وجزورا فرعى له أبرويز هذه الوسائل وقدم إياسا مكان النعمان وهو إياس بن قبيصة بن أبي عفر بن النعمان بن جنة فلما هلك النعمان بعث إياس إلى هانيء بن مسعود في حلقة النعمان ويقال كانت أربعمائة درع وقيل ثمانمائة فمنعها هانيء وغضب كسرى وأراد استئصال بكر بن وائل وأشار عليه النعمان بن زرعة من بني تغلب أن يمهل إلى فصل القيظ عند ورودهم مياه ذي قار فلما قاظوا ونزلوا تلك المياه جاءهم النعمان بن زرعة يخيرهم في الحرب وإعطاء اليد فاختاروا الحرب اختاره حنظلة بن سنان العجلي وكانوا قد ولوه أمرهم وقال لهم إنما هو الموت قتلا إن أعطيتم باليد أو عطشا إن هربتم وربما لقيكم بنو تميم فقتلوكم ثم بعث كسرى إلى إياس بن قبيصة أن يسير إلى حربهم ويأخذه معه مسالح فارس وهم الجند الذين كانوا معه بالقطقطانية وبارق وتغلب وبعث إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الخدين وكان على طيف شقران أن يوافي إياسا فجاءت الفرس معها الجنود والأفيال عليها الأساورة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بالمدينة فقال: «اليوم انتصف العرب من العجم ونصروا» وحفظ ذلك اليوم فإذا يوم الوقعة.
ولما توافق الفريقان جاء قيس بن مسعود إلى هانيء وأشار عليه أن يفرق سلاح النعمان على أصحابه ففعل واختلف هانيء بن مسعود وحنظلة بن ثعلبة بن سنان فأشار هانيء بركوب الفلاة وقطع حنظلة حزم الرجال وضرب على نفسه وآلى أن لا يفر ثم استقوا الماء لنصف شهر واقتتلوا وهرب العجم من العطش واتبعهم بكر وعجل فاصطف العجم وقاتلوا وصبروا وراسلت إياد بكر بن وائل إنا نفر عند اللقاء فصحبوهم واشتد القتال وقطعوا الآمال حتى سقطت الرجال إلى الأرض ثم حملوا عليهم واعترضهم يزيد بن حماد السكوني في قومه كان كمينا أمامهم فشدوا على إياس بن قبيصة ومن معه من العرب فولت إياد منهزمة وانهزمت الفرس وجاوزوا الماء في حر الظهيرة في يوم قائظ فهلكوا أجمعين قتلا وعطشا وأقام إياس في ولاية الحيرة مكان النعمان ومعه الهمرجان من مرازبة فارس تسع سنين وفي الثامنة منها كانت البعثة وولي بعده على الحيرة آخر من المرازبة اسمه زاذويه بن ماهان الهمذاني سبع عشرة سنة إلى أيام بوران بنت كسرى ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر وتسميه العرب الغرور الذي قتل بالبحرين يوم أجداث.
ولما زحف المسلمون إلى العراق ونزل خالد بن الوليد الحيرة حاصرهم بقصورها فلما أشرفوا على الهلكة خرج إليهم إياس بن قبيصة في أشراف أهل الحيرة وأتقى من خالد والمسلمين بالجزية فقبلوا منه وصالحهم على مائة وستين ألف درهم وكتب لهم خالد بالعهد والأمان وكانت أول جزية بالعراق وكان فيهم هانيء بن قبيصة أخو إياس بن قبيصة بالقصر الأبيض وعدي بن عدي العبادي ابن عبد القيس وزيد بن عدي بقصر العدسيين وأهل نصر بن عدس من قصور الحيرة وهو بنو عوان بن عبد المسيح بن كلب بن وبرة وأهل قصر بني بقيلة لأنه خرج على قومه في بردين أخضرين فقالوا: يا حارث ما أنت إلا بقيلة خضراء وعبد المسيح هذا هو المعمر وهو الذي بعثه كسرى أبرويز إلى سطيح في شأن رؤيا المرزبان.
ولما صالح إياس بن قبيصة المسلمين وعقد لهم الجزية سخطت عليه الأكاسرة وعزلوه فكان ملكه تسع سنين ولسنة منها وثمانية أشهر كانت البعوث وولي حينئذ الخلافة عمر بن الخطاب وعقد لسعد بن أبي وقاص على حرب فارس فكان من أول عمل يزدجرد أن أمر مرزبان الحيرة أن يبعث قابوس بن قابوس بن المنذر وأغراه بالعرب ووعده بملك آبائه وقال له: ادع العرب وأنت على من أجابك منهم كما كان آباؤك فنهض قابوس إلى القادسية ونزلها وكاتب بكر بن وائل بمثل ما كان للنعمان فكاتبهم مقاربة ووعدا وانتهى الخبر إلى المثنى بن حارثة الشيباني عقب مهلك أخيه المثنى وقبل وصول سعد فأسرى من ذي قار وبيت قابوس بالقادسية ففض جمعه وقتله وكان آخر من بقي من ملوك آل نصر بن ربيعة وانقرض أمرهم مع زوال ملك فارس اهـ كلام الطبري وما نقله عن هشام بن الكلبي.
وقد كان المغيرة بن شعبة تزوج هندا بنت النعمان وسعد بن أبي وقاص تزوج صدقة بنت النعمان وخبرهما معروف ذكره المسعودي وغيره وعدة ملوك آل نصر عند هشام بن الكلبي عشرون ملكا ومدتهم خمسمائة وعشرون سنة وعند المسعودي ثلاث وعشرون ملكا ومدتهم ستمائة وعشرون سنة قال: وقد قيل إن مدة عمران الحيرة إلى أن خربت عند بناء الكوفة خمسمائة سنة قال: ولم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد ثم أقفرت وفيما نقله بعض الإخباريين أن خالد بن الوليد قال لعبد المسيح: أخبرني بما رأيت من الأيام؟ قال: نعم قال: رأيت المرأة من الحيرة تضيع مكتلها على رأسها ثم تخرج حتى تأتي الشام في قرى متصلة وبساتين ملتفة وقد أصبحت اليوم خرابا والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
هذا ترتيب الملوك من ولد نصر بن ربيعة بن كعب بن عمرو بن عدي الأول منهم وهو الترتيب الذي ذكره الطبري عن ابن الكلبي وغيره وبين الناس فيه خلاف في ترتيب ملوكهم بعد اتفاقهم على أن الذي ملك بعد عمرو بن عدي ابنه امرؤ القيس ثم ابنه عمرو بن امرئ القيس وهو الثالث منهم قال علي بن عبد العزيز الجرجاني في أنسابه بعد ذكر عمرو هذا: ثم ثار أوس بن قلام العملقي وملك فثار به جحجب بن عتيك اللخمي فقتله وملك ثم ملك من بعده امرؤ القيس البدء بن عمرو الثالث ثم ملك من بعده ابنه النعمان الأكبر ابن امرئ القيس بن الشقيقة وهو الذي ترك الملك وساح ثم ملك من بعده ابنه المنذر ثم ابنه الأسود بن المنذر ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود بن المنذر ثم أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسنش بن زبى بن نمارة بن لخم ثم ملك من بعده امرؤ القيس بن النعمان الأكبر ثم ابنه امرؤ القيس ثم كان أمر الحرث بن عدي الكندي حتى تصالحها وتزوج المنذر ابنته هندا فولدت له عمرا ثم ملك بعد المنذر عمرو بن هند ثم قابوس بن المنذر أخوه ثم المنذر بن المنذر أخوه الآخر ثم ابنه النعمان بن المنذر هكذا نسبه الجرجاني وهو موافق لترتيب الطبري إلا في الحرث بن عمرو الكندي فإن الطبري جعله بعد النعمان الأكبر بن امرئ القيس وابنه المنذر والجرجاني جعله بعد المنذر بن امرئ القيس بن النعمان وبين هذا المنذر والمنذر بن النعمان الأكبر خمسة من ملوكهم فيهم أبو يعفر بن الذميل فالله أعلم بالصحيح من ذلك.
وأما المسعودي فخالف تربيتهم فقال: بعد النعمان الأكبر ابن امرئ القيس وسماه قائد الفرس ملك خمسا وستين سنة ثم ملك ابنه المنذر خمسا وعشرين سنة وهذا مثل ترتيب الطبري والجرجاني ثم خالفهما وقال: وملك النعمان بن المنذر الحيرة وهو الذي بنى الخورنق خمسا وثلاثين سنة وملك الأسود بن النعمان عشرين سنة وملك ابنه المنذر أربعين سنة وأمه ماء السماء من النمر قاسط من ربيعة وبها عرف وملك ابنه عمرو بن المنذر أربعا وعشرين سنة ثم ملك بعده أخوه النعمان وأمه مامة وقتله كسرى وهو آخرهم هكذا ساق المسعودي نسق ملوكهم ونسبهم وهو مخالف لما ذكره الطبري والجرجاني.
وقال السهيلي: كان للمنذر بن ماء السماء من الولد المملكين عمرو والنعمان وكان عمرو لهند بنت الحرث آكل المرار قال: وكان عمرو هذا من أعاظم ملوك الحيرة ويعرف بمحرق لأنه حرق مدينة الملهم عند اليمامة وكان يملك من قبل كسرى أنوشروان ومن بعده ملك أخوه النعمان بن المنذر وأمه مامة وقتله كسرى ابرويز بن هرمز بن أنوشروان لموجدة وجدها بسعاية زيد بن عدي بن زيد العبادي وساق قصة مقتله وولاية إياس بن قبيصة الطائي من بعده وما وقع بعد ذلك من حرب ذي قار وغلب العرب فيها على العجم إلى آخرها فالله أعلم بالصحيح في ترتيب ملوكهم وقال ابن سعيد: أول حديثهم في الملك أن بني نمارة كانوا جندا للعمالقة بأطراف الشام والجزيرة وكانوا مع الزباء ولما قتلت جذيمة قام عمرو بن عدي منهم بثأره وكان ابن أخته حتى أدركه وقتلها وبنى الحيرة على فرع من الفرات في أرض العراق وقال صاحب تواريخ الأمم: ملك مائة وثمانية وعشرين سنة أيام ملوك الطوائف وبعده امرؤ القيس بن عمرو ولما مات ولي أردشير بن سابور على الحيرة أوس بن قلام من العمالقة ثم كان ملك الحيرة فوليها امرؤ القيس بن عمرو بن امرئ القيس المعروف بمحرق قال وهو المذكور في قصيدة الأسود بن يعفر التي على روي الدال وبعده ابنه النعمان بن شقيقه وهي من بني شيبان وجعل معه كسرى واليا للفرس وهو باني الخورنق والسرير على مياه الفرات وملك إلى أن ساح وتزهد ثلاثين سنة وذكره عدي بن زيد في شعره وملك بعده ابنه المنذر وهو الذي سعى لبهرام جور في الملك حتى تم له وملك أربعا وأربعين سنة وملك بعده ابنه الأسود ثم أخوه المنذر بن المنذر ثم النعمان بن الأسود وغضب عليه كسرى وولى مكانه الذميل بن لخم من غير بيت الملك ثم عاد الملك إليهم فولي امرؤ القيس بن النعمان الأكبر وهو ابن الشقيقة وهو الذي غزا بكر بن وائل وملك بعده ابنه المنذر بن ماء السماء وهي أمه أخت كليب سيد وائل وطالبه قباذ بإتباع مزدك على الزندقة فأبى وولى مكانه الحرث بن عمرو ابن حجر الكندي ثم رده أنوشروان إلى ملك الحيرة وقتله الحرث الأعراج الغساني يوم حليمة كما يأتي وملك بعده ابنه عمرو بن هند وهي مامة عمة امرئ القيس بن حجر المعروف بمضرط الحجارة لشدة بأسه وهو محرق الثاني حرق بني دارم من تميم لأنهم قتلوا أخاه وحلف ليحرقن منهم مائة فحرقهم وملك ستة عشرة سنة أيام أنوشروان فتك به في رواق بين الحيرة والفرات عمرو بن كلثوم سيد تغلب ونهبوا حياءه وملك بعده أخوه قابوس بن هند وكان أعرج وقتله بعض بني يشكر فولى أنوشروان على الحيرة بعض مرازبة الفرس فلم تستقم له طاعة العرب فولى عليهم المنذر بن المنذر بن ماء السماء فخرج إلى جهة الشام طالبا ثأر أبيه من الحرث الأعرج الغساني فقتله الحرث أيضا يوم أباغ وملك بعده ابنه النعمان بن المنذر وكان ذميما أشقر أبرش وهو أشهر ملوك الحيرة وعليه كثرت وفود العرب وطلبه بثأر أبيه وحرد من بني جفنة حتى أسر خلقا كثيرا من أشرافهم وحمله عدي بن زيد على أن تنصر وترك دين آبائه وحبس عديا فشفع كسرى فيه بسعاية أخ له كان عنده فقتله النعمان في محبسه ثم نشا ابنه زيد بن عدي وصار ترجمانا لكسرى فأغراه بالنعمان وحضر مع كسرى أبروبز في وقعة بين الفرس والروم وانهزمت الفرس ونجا النعمان على فرسه التخوم بعد أن طلبه منه كسرى ينجو عليه فأعرض عنه ونزل له إياس بن قبيصة الطائي عن فرسه فنجا عليه ووفد عليه النعمان بعد ذلك فقتله وولى على الحيرة إياس بن قبيصة فلم تستقم له طاعة العرب وغضبوا لقتل النعمان وكان لهم على الفرس يوم ذي قار سنة ثلاث من البعثة ومات إياس وصارت الفرس يولون على الحيرة منهم إلى أن ملكها المسلمون.
وذكر البيهقي: أن دين بني نصر كان عبادة الأوثان وأول من تنصر منهم النعمان بن الشقيقة وقيل بل النعمان الأخير وملكت العرب بتلك الجهات ابنه المنذر فقتله جيش أبي بكر رضي الله عنه وفي تواريخ الأمم أن جميع ملوك الحيرة من بني نصر وغيرهم خمسة وعشرون ملكا في نحو ستمائة سنة والله أعلم وهذا الترتيب مساو لترتيب الطبري والجرجاني والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.